فصل: الخبر عن دمر من بطون زناتة ومن ولي منهم بالأندلس وأولية ذلك ومصائره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن بني واركلا من بطون زناتة والمصر المنسوب إليهم بصحراء إفريقية وتصاربف أحوالهم:

بنو واركلا هؤلاء إحدى بطون زناتة كما تقدم من ولد فرني بن جانا وقد مر ذكرهم وأن أخوتهم الديرت ومرنجيصة وسبرترة ونمالة والمعروفون لهذا العهد منهم بنو واركلا وكانت فئتهم قليلة وكانت مواطنهم قبلة الزاب واختطوا المصر المعروف بهم لهذا العهد على ثمان مراحل من بسكرة في القبلة عنها ميامنة إلى المغرب بنوها قصورا متقابلة متقاربة الخطة ثم استبحر عمرانها فأتلفت وصارت مصرا واحدا وكان معهم هناك جماعة من بني زنداك من مغراوة وإليهم كان هرب أبي زيد النكارى عند فراره من الاعتقال سنة خمس وعشرين وثلثمائة وكان مقامه بينهم سنة يختلف إلى بني برزال قبلة المسيلة بسالات وإلى قبائل البربر بجبل أوراس يدعوهم جميعا إلى مذهب النكارية إلى أن ارتحل إلى أوراس واستبحر عمران هذا المصر واعتصم به بنو واركلا هؤلاء والكثير من ظواعن زناتة عند غلب الهلاليين إياهم على الضواحي واختصاص الأثبج بضواحي القلعة والزاب وما إليها ولما استبد الأمير أبو زكريا بن أبي حفص بملك إفريقية وجال في نواحيها في اتباع بن غانية مر بهذا المصر فأعجبه وكلف بالزيادة في تمصيره فاختط مسجد العتيق ومأذنته المرتفعة وكتب اسمه وتاريخ وضعه نقشا في الحجر وهذا البلد لهذا العهد باب لولوج السفر من الزاب إلى المفازة الصحراوية المفضية إلى بلاد السودان يسكنها التجار الداخلون لها بالبضائع وسكانه لهذا العهد من بنى واركلا وأعتاب إخوانهم من بنى يفرن ومغراوة ويعرف رئيسه باسم السلطان شهرة غير نكيرة بينهم ورياسته لهذه الأمصار مخصوصه ببني أبي عبدل ويزعمون أنهم من بنى واكين إحدى بيوت بنى واركلا وهو لهذا العهد أبو بكر بن موسى بن سلان من بنى أبي عبدل ورياستهم متصلة في عمود هذا النسب وعلى عشرين مرحلة من هذا في القبلة منحرفأ إلى المغرب بيسير بلد تكرت قاعدة وطن الملثمين وركاب الحجاج من السودان اختطه الملثمون من صنهاجة وهم سكانه لهذا العهد وصاحبه أمير من بيوتاتهم يعرفونه باسم السلطان وبينه وبين أمير الزاب مراسلة ومهاداة ولقد قدمت على بسكرة سنة أربع وخمسين أيام السلطان أبي عنان في بعض الأغراض السلطانية ولقيت رسول صاحب تكرت عند يوسف بن مزني أمير بسكرة وأخرني عن استبحار هذا المصر في العمارة ومرور السابلة وقال لي: اجتاز بنا هذا العام سفر من تجار المشرق إلى بلد مالي كانت ركابهم إثنى عشر ألف راحلة وذكر لي غيره أن ذلك هو الشأن في كل سنة وهذا البلد في طاعة سلطان مالي من السودان كما في سائر تلك البلاد الصحراوية المعروفة بالملثمين لهذا العهد والله غالب على أمره سبحانه.

.الخبر عن دمر من بطون زناتة ومن ولي منهم بالأندلس وأولية ذلك ومصائره:

بنو دمر هؤلاء من زناتة وقد تقدم أنهم من ولد ورسيك بن الديرت بن جانا وشعوبهم كثيرة وكانت مواطنهم بإفريقية في نواحي طرابلس وجبالها وكان منهم آخرون ظواعن من عرب إفريقية ومن بطون بني دمر هؤلاء بنو ورغمة وهم لهذا العهد مع قومهم بجبال طرابلس ومن بطونهم أيضا بطن متسع كثير الشعوب وهم: بنو ورنيدين بن وانتن بن وارديرن بن دمر وأن من شعوبهم بني ورتاتين وبني عزرول وبني تغورت وربما يقال إن هؤلاء الشعوب لا ينتسبون إلى بني ورنيدين كما تقدم وبقايا بني ورنيدين لهذا العهد بالجبل المطل على تلمسان بعد أن كانوا في البسيط قبلته فزاحمهم بنو راشد حين أجلوهم من بلادهم بالصحراء إلى التل وغلبوهم على تلك البسائط فإنزاحوا إلى الجبل المعروف بهم لهذا العهد وهو المطل على تلمسان وكان قد أجاز إلى الأندلس من بنى دمر هؤلاء أعيان ورجالات حرب فيمن أجاز إليها من زناتة وسائر البربر أيام أخذهم بدعوة المنتصر فضمهم السلطان إلى عسكره واستظهر بهم المنصور بن أبي عامر من بعد ذلك على شأنه وقوى بهم المستعين أديم دولته ولما اعصوصب البربر على المستعين وبني حمود من بعده وغالبوا جنود الأندلس من العرب وكانت الفتنة الطويلة بينهم التي نثرت سلك الخلافة وفرقت شمل الجماعة واقتسموا خطط الملك وولايات الأعمال وكان من رجالاتهم نوح الدمري وكان من عظماء أصحاب المنصور وولاه المستعين أعمال مورور وأركش فاستبد بها سنة أربع في غمار الفتنة وأقام بها سلطانا لنفسه إلى أن هلك سنة ثلاث وثلاثين فولي ابنه أبا مناد محمد بن نوح وتلقب بالحاجب عز الدولة لقبين في قرن شأن ملوك الطوائف وكانت بينه وبين ابن عباد شأن في الأندلس خطوب ومر المعتضد في بعض أسفاره بحصن أركش وتطوف به مختفيا فقبض عليه بعض أصحاب ابن نوح وساقه إليه فخلى سبيله وأولاه كرامة احتسبا عنده أبدا وذلك سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة فانطلق إلى دار ملكه ورجع بعدها إلى ولاية الملوك الذين حوله من البربر وأسجل لابن نوح هذا على عملي أركش ومورور فيمن أسجل له منهم فصاروا إلى مخالصته إلى أن استدعاهم سنة خمس وأربعين وثلثمائة بعدها إلى صنع ودعا إليه الجفلى من أهل أعماله واختصه بدخول حمام أعده لهم استبلاغا في تكريمهم وتخلف ابن نوح عنده من بينهم فما حصلوا داخل الحمام أطبقه عليهم وسد المنافس للهوى دونهم إلى أن هلكوا ونجا منهم ابن نوح لسالفة يده وطير في الحين من تسلم معاقلهم وحصونهم فانتظمهم في أعماله وكان منها رندة وشريش وسائر أعمالها وهلك من بعد ذلك الحاجب أبو مناد بن نوح سنة (لم نستطيع تحديدها) وولي ابنه أبو عبد الله ولم يزل المعتضد يضايقه إلى أن انخلع سنة ثمان وخمسين وثلثمائة فانتظمها في أعماله وسار إليه محمد بن أبي مناد إلى أن هلك سنة ثمان وستين وانقرض ملك بني نوح والبقاء لله وحده سبحانه.
أبو عبد الله بن الحاجب أبي مناد بن نوح الدمري.